فصل: مسألة عليه دينا لا يرتجى قضاؤه لو باعه الساعة بعرض باعه بنصف ثمنه هل عليه زكاة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يتسلف مائة دينار وليس له مال غيرها فيشتري سلعة فيربح فيها ما تجب فيه الزكاة:

ومن كتاب أوله لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس:
قال: وقال مالك: في الذي يتسلف مائة دينار- وليس له مال غيرها، فيشتري سلعة فيربح فيها، ما تجب فيه الزكاة؟ فقال: إذا باع السلعة قضى المائة وزكى ما بقي- إن كان ما تجب فيه الزكاة؛ إذا كان قد حال على المائة الحول.
قال محمد بن رشد: قوله إذا كان قد حال على المائة الحول- يريد من يوم تسلفها، وقد مضت هذه المسألة والقول فيها في الرسم الذي قبل هذا، وبالله التوفيق.

.مسألة له عشرة دنانير فيحول عليها الحول عنده ثم يفيد خمسة دنانير فيضمها إلى العشرة:

ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار:
قال عيسى: وسألت ابن القاسم: عن الرجل تكون له عشرة دنانير، فيحول عليها الحول عنده، ثم يفيد خمسة دنانير فيضمها إلى العشرة، فيشتري بها سلعة فيبيعها بعشرين دينارا؛ قال: ليس عليه فيها زكاة، ويستقبل بالخمسة والعشرة وربحهما حولا من يوم أفاد الخمسة، إلا أن يتجر في العشرة قبل حلول الخمسة، فيزكيها ساعة يتم ما تجب فيه الزكاة؛ قلت له: فإن باعها بثلاثين دينارا؟ قال: يزكي العشرة وربحها، ويدع الخمسة وربحها حتى يحول عليها الحول من يوم أفادها.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة صحيحة بينة المعنى، لا إشكال فيها، مبنية على المشهور في المذهب من أن الأرباح مزكاة على أحوال أصول الأموال، وعلى أصولهم في أن الفوائد التي لا تجب فيها الزكاة إلا بجمعها، تضاف الأولى منها للآخرة، فتُزَكَّى على قرب الآخرة- وبالله التوفيق.

.مسألة يفيد عشرين دينارا فتمكث عنده ستة أشهر ثم يفيد عشرين أخرى زكاتها:

ومن كتاب الثمرة:
وقال: سألت ابن القاسم عن الرجل يفيد عشرين دينارا، فتمكث عنده ستة أشهر، ثم يفيد عشرين أخرى؛ قال: يزكي كل عشرين لحولها.
قلت: فإن انكسرت العشرون الأولى عن الزكاة، قال: إن كانت العشرون الأخرى على حالها كما كانت، زكى الأولى عند حولها كما كان يزكيها، ويزكي العشرين الأخرى على حولها- كما هي.
قلت: فإن نقصت العشرون الأخرى عن الزكاة، إلا أنه إذا ضم ما بقي من العشرين الأولى- إلى ما بقي من العشرين الآخرة، وجبت فيها الزكاة؛ قال: أنظره أبدا إذا حل حول الأولى، فانظر، فإن كان فيضا بقي منها، وبقي من الآخرة ما لو جمع وجبت فيه الزكاة، فزكى ما بقي من كل عشرين على حولها أبدا، حتى ينكسرا جميعا عن الزكاة.
قلت: فإن صار ما بقي منهما ما لو ضم بعضه إلى بعض، لم تجب فيه الزكاة؛ قال: فلا زكاة في شيء منهما.
قلت: فإن اتجر فيما بقي من الأولى فصارت بربحها ما إذا ضممته إلى ما بقي من الآخرة كانت فيه الزكاة؛ قال: فإذا صارت كذلك زكاها مكانه، وكان حولها من يوم صارت بربحها ما إذا ضممته إلى ما بقي من الآخرة وجبت فيه الزكاة، وكانت الآخرة على حولها.
قلت: فإن لم تزد شيئا- وكانت على حالها حتى حال حول الآخرة، قال: إذا كانتا جميعا حين يحول حول الآخرة ما لا- تجب فيما بقي منهما الزكاة فضمهما، فمتى صارتا بربحهما ما تجب فيه الزكاة، فزكهما، ثم اجعل حولهما جميعا حولا واحدا من يومئذ.
قلت: فإن كان حل حول الأولى، فنظرنا فيما بقي منهما، وفيما بقي من العشرين الآخرة، فإذا ليس فيهما زكاة إن ضمتا، فتركنا الزكاة، فمضى لها بعد حلول حولها خمسة أشهر- ولم يحل حول الآخرة، بقي لها شهر فصارت قبل حلول حولها بشهر ما يجب فيه الزكاة بربحها- إذا ضممتها إلى ما بقي من الأولى؛ قال: إذا صارت كذلك، فزد ما بقي من العشرين الأولى مكانك، واترك الأخرى إلى حلول حولها، ويكون حلول ما بقي من العشرين الأولى من يوم صار ما بقي من العشرين الآخرة وربحها، ما إذا ضممته إلى ما بقي من العشرين الأولى وجبت فيه الزكاة؛ قال: وكذلك قال مالك في هذا كله.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بيّنة في المعنى، مفسرة لما وقع في المدونة فيها من الألفاظ الملتبسة، والأصل فيها أن الفوائد المفترقة إذا كان في الأولى ما يجب فيه الزكاة، فلا يضاف بعضها إلى بعض، وتزكى كل فائدة على حولها- حتى ترجع كلها إلى ما لا زكاة فيه؛ مثال ذلك أن يفيد الرجل ما لا تجب فيه الزكاة، ثم يفيد بعد ذلك بأشهر ما تجب فيه الزكاة، أو لا تجب فيه الزكاة؛ فإنه يزكي كل مال على حوله أبدا، ولا يضيف أحدهما إلى الآخر حتى يرجعا إلى ما لا زكاة فيه إذا جمعا فإذا رجعا جميعا إلى ما لا زكاة فيه، وتماديا جميعا ناقصان عما تجب فيه الزكاة، حتى يمر بهما الحولان جميعا- وهما على نقصانهما؛ صارا مالا واحدا، وسقطت منهما الزكاة؛ إلا أن يرجعا بالربح فيهما، أو في أحدهما إلى ما تجب فيه الزكاة، فيزكيهما حين بلغا بالربح ما تجب فيه الزكاة، ويكون حولهما واحدا من حينئذ، وإن زكاهما على حوليهما- ما شاء الله، ثم رجعا بعد أن زكى أحدهما إلى ما لا تجب فيه الزكاة، ثم رجعا جميعا إلى ما تجب فيه الزكاة بالربح فيهما، أو في أحدهما قبل أن يأتي حول المال الثاني، بقيا جميعا على حوليهما المتقدمين بأعيانهما يزكي كل مال منهما على حوله بربحه- إن كان الربح فيهما جميعا، وقد خلطهما، أو لم يخلطهما، غير أنه إن لم يخلطهما زكى كل واحد منهما بربحه الذي ربحه فيه، وإن كان قد خلطهما، نضّ الربح عليهما، فزكى مع كل واحد منهما نوبته من الربح، وإن كان الربح في أحدهما، زكاه بربحه، وزكى الآخر بغير ربح؛ وإن زكاهما على حوليهما- ما شاء الله، ثم رجعا إلى ما لا زكاة فيه إذا جمعا، فأتى حول أحدهما وهما ناقصان عما تجب فيه الزكاة، فترك تزكيتهما، ثم لما كان بعد ذلك بأشهر قبل أن يأتي حول المال الآخر، رجعا بالربح فيهما، أو في أحدهما- إلى ما تجب فيه الزكاة، فإنه يزكي حينئذ المال الذي لم يزكه عند حوله بربحه- إن كان الربح فيه، أو بما ينوبه من الربح إن كان الربح فيهما- جميعا- وقد خلطهما، ولو أتى حول المال الآخر- وقد رجعا إلى ما لا زكاة فيه فلم يزكهما؛ إذ لا زكاة فيهما، فلما كان بعد ذلك بأشهر، رجعا إلى ما فيه الزكاة بالربح فيهما أو في أحدهما، لا ينقل أيضا حول هذا المال الآخر إلى حين الربح؛ فهذا بيان هذه المسألة إذا تمادى النقص بالمالين عما تجب فيه الزكاة حتى يمر بهما الحولان- وهما ناقصان عما تجب فيه الزكاة، رجعا مالا واحدا، وبطل ما كان قبل ذلك من حوليهما؛ وإذا رجعا جميعا إلى ما لا تجب فيه الزكاة بعد أن زكي أحدهما، ثم رجعا إلى ما تجب فيه الزكاة بالربح فيهما، أو في أحدهما قبل أن يأتي حول المال الثاني، بقيا على حوليهما المتقدمين بأعيانهما؛ وإذا أتى حول أحدهما- وهما ناقصان عما تجب فيه الزكاة، فلما كان بعد ذلك بأشهر قبل أن يأتي حول المال الآخر، رجعا إلى ما فيه الزكاة، انتقل حول هذا المال إلى حين الربح وبقي المال الآخر على حوله؛ ولو أتى حول المال الآخر- وقد نقصا عما فيه الزكاة، ثم رجعا بعد ذلك بأشهر إلى ما فيه الزكاة؛ انتقل حول هذا المال الثاني أيضا إلى حين بلغا بالربح جميعا ما تجب فيه الزكاة، فهي أربعة وجوه، وجه ينتقض فيه حولاهما جميعا ويرجعان إلى حول واحد، ووجه واحد ينتقل فيه حولاهما جميعا، ويبقيان على حولين أيضا، ووجه ينتقل فيه حول أحدهما ويبقى الآخر على حوله، ووجه يرجعان فيه بالربح على حوليهما المتقدمين بأعيانهما، وبالله التوفيق.

.مسألة عليه مائة دينار وله مائة ثم أفاد فائدة من عرض أو عين قبل الحول أو بعد الحول:

ومن كتاب العتق:
قال ابن القاسم: من كانت عليه مائة دينار- وله مائة، ثم أفاد فائدة من عرض، أو عين- قبل الحول، أو بعد الحول؛ فإنه لا زكاة عليه فيما بقي في يديه من الناض حتى يحول عليه الحول من يوم أفاد الفائدة.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها في رسم استأذن، فلا معنى، لإعادته.

.مسألة عنده مائة دينار وعليه دين مائة فحال عليه الحول:

قلت: أرأيت إن كانت عنده مائة دينار وعليه دين مائة فحال عليه الحول، قال: لا زكاة عليه؛ لأنه ليس له مال فضل عن دينه؛ فسقطت الزكاة عنه.
قلت: فإنه لما مضى شهر استفاد مائة فقضى بها دينه، قال: لا زكاة عليه في هذه المائة الباقية حتى يحول عليها الحول مرة أخرى؛ لأن الحول الأول مر وليس من أهل الزكاة، فإن تجر بها فربح مكانه عشرين دينارا، قلنا له: أد الزكاة، فإنما سقطت عنك في هذه المائة يوم حل الحول؛ لأنك كنت من غير أهلها، فلما ربحت هذه العشرين، قلنا: هذه العشرين قد حال عليها الحول؛ لأنه حال على الأصل؛ فأما الأصل، فلا زكاة فيه؛ لأنها قد سقطت عنه حين مر حوله، فلا زكاة فيه حتى يحول الحول؛ وأما هذا الربح، فما يسقط عنه الزكاة وقد حال عليه الحول، ولا دين اليوم على صاحبه يسقط عنه الزكاة، وقد بلغ ما تجب فيه الزكاة؛ فأرى أن تؤخذ الزكاة من الربح، ولا تؤخذ من المائة، ثم تجعل المائة على حولها الأول، والربح على حوله يوم زكي؛ لأنه إنما وجبت الزكاة فيه يوم ربح.
قال محمد بن رشد: قوله في أول المسألة: إنه إذا كان عنده مائة دينار فحال عليه الحول- وعليه دين مائة، أنه لا زكاة عليه- صحيح لا اختلاف في أن الدين يسقط زكاة العين؛ لقول عثمان بن عفان هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين، فليؤد دينه حتى تحصل أموالكم، فتؤدون منها الزكاة، وأما قوله بعد ذلك: إنه إن استفاد مائة بعد الحول بشهر، فقضى بها دينه، فلا زكاة عليه في المائة التي بيده حتى يحول عليها الحول مرة أخرى، فقد مضى مثله في رسم استأذن، وذكرنا هنالك ما فيه من الخلاف، وأما قوله: إنه إن تجر فيها فربح مكانه عشرين دينارا، زكاها، وكان حولها من يوم زكاها، فصحيح على أن الأرباح مزكاة على الأصول، وقد مضى معنى هذه المسألة والقول فيها في رسم أوصى.

.مسألة اشترى الدار للتجارة ثم استغل الدار ثم باعها بعد أن مضى الحول:

قال ابن القاسم: إذا اشترى الرجل الدار للتجارة أو النخل، ثم استغل الدار، وأثمرت النخل عنده، ثم باعهما جميعا- بعد أن مضى الحول، قال: ينظر إلى الغلة، فيستقبل بها حولا من يوم أخذها، وينظر إلى ثمن الدار، فيزكيه مكانه؛ وكذلك النخل إذا أثمرت وحل بيعها، ثم باع الأصل والتمر، فإن الزكاة عليه تمرا، وينظر إلى ثمن النخل والتمر، فينظر كم ثمن التمر من ثمن النخل؛ فإذا عرفته فاستقبل بثمن التمر حولا، وتزكي ثمن الأصل الساعة، ولو كانت دارا للتجارة وفيها غلة خمسون دينارا، فباع الدار وغلتها بألف إردب؛ فإنه لا زكاة عليه في القمح، ويعرف حصة الغلة من القمح من حصة أصل الدار؛ فإذا باع القمح، نظر إلى ما يصير من القمح للغلة فيستقبل بثمنه حولا من يوم باعه، وما كان ثمنا للدار زكاه مكانه؛ فإن لم يكن ما تجب فيه الزكاة، جعل حولها واحدا واستقبل بها سنة.
قال محمد بن رشد: قوله في أول المسألة في الذي اشترى الدار للتجارة فاستغلها، ثم باعهما جميعا بعد أن مضى الحول، معناه أن الغلة طعام أو عروض، فباع الدار بعد أن مضى الحول وما قبض من المكتري في كراء العام الماضي من الطعام، أو العروض، أو ما وجب له على المكتري من ذلك بثمن واحد؛ فإنه يفض الثمن- إذا قبضه على الدار، وعلى الطعام، أو العروض، فما وجب من ذلك للدار زكاه مكانه؛ لأنها كانت للتجارة؛ وما وجب من ذلك الطعام أو العروض استقبل به حولا؛ لأن الغلة فائدة وهي عروض أو طعام، فلا تجب فيه الزكاة، إلا بعد أن يحول الحول على ثمنها من يوم قبضه؛ ولو كانت الغلة دنانير لم يجز له أن يبيعها مع الدار بدنانير؛ لأنه ذهب وعرض بذهب، وقد بين هذا بقوله بعد ذلك، ولو كانت دارا للتجارة- وفيها غلة خمسون دينارا، فباع الدار وغلتها بألف إردب، وهذا ما لا اختلاف فيه إذا كانت الغلة قد وجبت للبائع على المكتري بمضي المدة، أنه لا يجوز بيعها مع الدار بالذهب- إن كانت السلعة ذهبا، ولا بالورق على مذهب ابن القاسم، إلا أن يكون الثمن نقدا، ويكون ذلك أقل من صرف دينار؛ وإنما الخلاف إذا باع الدار وما وجب له على المكتري من الكراء الذي عاقده عليه، لما يأتي من المدة، فكان شيخنا الفقيه ابن رزق رَحِمَهُ اللَّهُ يجيز ذلك، ويعتل بأن الكراء لم يجب للبائع بعد، إذ قد تتهدم الدار فيبطل الكراء على المكتري، وإنما يسكن المكتري الدار بعد عقد البيع فيها على ملك المبتاع، فكأن البائع باع منه الدار وتبرأ إليه من العقد الذي قد لزمه فيها للمكتري، فرضي به، وكان يستدل لما كان يذهب إليه من ذلك بمسائل، منها أول مسألة من سماع سحنون: أن الكراء المقبوض لما يأتي من المدة إذا حل عليه الحول لا يلزم أن يزكي منه، إلا ما يجب منه لما مضى من المدة، وكان غيره من الشيوخ يخالفونه في ذلك، ولا يجيزون البيع ويساوون بين ما يجب لما مضى من المدة، ولما يأتي منها؛ وقول ابن رزق رَحِمَهُ اللَّهُ أصح في المعنى، وأظهر في الحجة؛ إلا أن الرواية عن ابن القاسم منصوصة في الدمياطية: أن ذلك لا يجوز، بخلاف ما كان يذهب إليه؛ وقوله في أول المسألة ينظر إلى الغلة فيستقبل بها حولا- يريد ينظر إلى ما يجب للغلة من الثمن فيستقبل به حولا؛ لأنه إنما تكلم على أنه باع الغلة والدار صفقة واحدة، فوجب أن يفض الثمن على ذلك، لافتراقهما في حكم الزكاة؛ إذ الدار للتجارة، والغلة فائدة، وكذلك لو كانت الدار للقنية، فباعها مع ما هو للتجارة، قد حال عليها الحول، لفض الثمن، فاستقبل بما ينوب الدار منه حولا، وزكى ما ينوب الذي هو للتجارة؛ مثال ذلك أن يكون للرجل بقعة من فائدة، فيبنيها للتجارة، ثم يبيعها مبنية؛ فإنه يزكي من ذلك ما ناب البناء- إذا كان الحول قد حال على المال الذي بناها به، ويستقبل بما ناب البقعة حولا، وقد روي ذلك عن المغيرة- وهو صحيح.

.مسألة أهل الأهواء هل يعطون من الزكاة إذا كانوا محاويج:

وسئل ابن القاسم: عن أهل الأهواء هل يعطون من الزكاة إذا كانوا محاويج، فقال: إن نزلت بهم حاجة، فأرى أن يعطوا من الزكاة- وهم من المسلمين يرثون ويورثون.
قال محمد بن رشد: يريد الهواء الخفيف الذي يبدع صاحبه ولا يكفر، كتفضيل علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ على سائر الصحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أجمعين، وما أشبه ذلك، وأما الأهواء المضلة كالخوارج، والقدرية، وشبههم، فمن كفرهم بمآل قولهم، قال: لم يجز أن يعطوا من الزكاة؛ ومن لم يكفرهم بمآل قولهم، أجاز أن يعطوا منها إذا نزلت بهم حاجة- وهو الأظهر، لقوله- عليه الصلاة والسلام: «وتتمارى- في الفوق»، ومن البدع ما لا يختلف أنه كفر، كمن يقول من الروافض إن علي بن أبي طالب كان النبي، ولكن جبريل أخطأ في الرسالة، وكمن يقول منهم: إن الرسل تترى، وأنه لا يزال في كل أمة رسولان، أحدهما ناطق، والثاني صامت؛ فكان محمد عَلَيْهِ السَّلَامُ ناطقا، وعلي صامتا، وأن الأئمة أنبياء يعلمون ما كان وما يكون- إلى يوم القيامة؛ فهؤلاء ومن أشبههم لا يعطون من الزكاة بإجماع؛ لأنهم كفار، وقد قال ابن حبيب: لا يعطى تارك الصلاة من الزكاة شيئا، وهذا على أصله بأن تارك الصلاة كافر على ظاهر قول النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «من ترك الصلاة فقد كفر»- وإن تركها مفرطا فيها، أو متهاونا بها- وهو بعيد، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة عنده مائة دينار وعليه مائة دينار وعنده مائتا شاة قيمتها مائة دينار:

قال: أرأيت الرجل يكون عنده مائة دينار، وعليه مائة دينار- وعنده مائتا شاة قيمتها مائة دينار، قال: يزكيها؛ لأن الغنم وفاء لدينه، والدنانير فضل؛ ولو لم يكن معها المائة دينار، وكانت الغنم وحدها، لم يكن دينه بالذي يسقط عنه الزكاة من رقابها.
قلت: فلم يزكي الغنم- وهي وفاء بالدين، قال: لأنها لا تشبه الدنانير، وهي لو كانت وحدها لم يكن معها المائة دينار لم يكن دينه بالذي يسقط الزكاة من رقابها، ولو لم تكن الغنم وكانت المائة وحدها؛ لم يكن عليه فيها زكاة الغنم، والحوائط والزرع كله لا يمنع صاحب الدين من زكاته.
قال محمد بن رشد: سأله لم لا يسقط الدين زكاة الغنم، ويسقط زكاة العين؟
فلم يجبه بأكثر من أن قال: إن الغنم لا تشبه الدنانير، وليس ذلك بجواب مقنع، ولا فرق بين، إذ لم يبين المعنى الذي أزال الشبه بينهما؛ والفرق بينهما أن الدين يمنع من تنمية العين، إذ لصاحب الدين أن يقوم بدينه فيحجر على المديان التصرف في ماله، والغنم والزرع والحوائط لا يمنع التحجير على المديان فيها بالدين من نمائها؛ لأنها نامية بأنفسها، وأيضا فإن الله تبارك وتعالى قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]- الآية، فكان هذا عاما فيمن عليه دين، وفيمن لم يكن عليه دين؛ لأن المال مال الذي هو له- وإن كان عليه دين، فخصص من ذلك العين بإجماع الصحابة؛ لأن عثمان بن عفان كان يصيح في الناس: هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤده حتى تحصل أموالكم، فتؤدون منها الزكاة بحضرتهم من غير نكير منهم لذلك، وبقي سائر الأموال من الماشية والحرث على الأصل في وجوب أخذ الزكاة منها، كان على صاحبها دين، أو لم يكن، فهذان وجهان بينان في وجوب إسقاط الدين زكاة العين دون زكاة الحرث والماشية، والحمد لله.

.مسألة عليه دينا لا يرتجى قضاؤه لو باعه الساعة بعرض باعه بنصف ثمنه هل عليه زكاة:

قلت: أرأيت لو كان دينا لا يرتجى قضاؤه، وهو لو باعه الساعة بعرض، باعه بنصف ثمنه، أو ثلث ثمنه، هل يحسب ذلك أم لا يحسب؟ قال: إن كان يجزيه ذلك، حسب ذلك الذي يجده وتمام الدين فيما في يديه، وزكى ما بقي إن كان بقي ما تجب فيه الزكاة، قال سحنون: يزكي قيمة الدين ولا يزكي عدده- إذا كان صاحبه موسرا، وابن القاسم يقول: يزكي عدده.
قال محمد بن رشد: هذا في المدير الذي يلزمه أن يزكي ماله من الديون، وقوله: إن الدين الذي لا يرتجى إذا كانت له قيمة يحسب تلك القيمة، ينبغي أن يحمل على التفسير لما في المدونة، فيكون قوله فيها إنه لا يزكي الدين الذي لا يرتجى، معناه إذا لم تكن له قيمة، وقد اختلف إذا كان الذي عليه الدين موسرا، هل يزكي عدده أو قيمته؟ على ثلاثة أقوال، أحدها: أنه يزيد عدده حالا كان أو مؤجلا، وهو ظاهر قول ابن القاسم، وروايته عن مالك في كتاب ابن المواز، وظاهر قول ابن القاسم ههنا؛ والثاني: أنه يزكي قيمته لا عدده، وهو قول سحنون، وظاهر ما في المدونة، قال محمد بن المواز: وهو القياس، غير أني ما علمت أحدا من أصحاب مالك يقوله.
والثالث: أنه إن كان حالا زكي عدده، وإن كان مؤجلا زكي قيمته، ومن الناس من يجعل هذا القول مفسرا لقول ابن القاسم ههنا، ولما في المدونة، وكتاب ابن المواز، والأظهر أنه قول ثالث في المسألة، والله الموفق.

.مسألة استحق له معدن في أرضه للإمام فيه أمر زكاته:

من سماع يحيى بن يحيي من ابن القاسم من كتاب أوله يشتري الدور والمزارع:
قال يحيى: قال ابن القاسم: في رجل استحق له معدن في أرضه للإمام فيه أمر؟ فقال: الأمر كله إليه في جميع المعادن كان في أرض رجل خاصة، أو في أرض أهل الذمة من العنوة أو في أرض موات ليست المعادن لأحد إلا بقطيعة الإمام، وليست لمن أقطعها الإمام، إلا على حال ما وصفت لك من الانتفاع بنيلها ما عمل، ثم إن خرج فترك العمل أو مات عنها، أقطعها الإمام من شاء، قال يحيى: قلت لابن القاسم: أفيجوز للإمام إن طال عمله فيها؛ فلم يتركها، ولم يمت عنها، أن يزيل منها غيره فيخرجه ويقطعها سواه، أو إن ترك العمل، ثم نبذه زمانا فطلبها غيره من الإمام، أن ينزعها ويقطعها غيره ممن يعمل؟ قال سحنون: إنما ذلك في المعادن التي في الأرض التي لا تملك بمنزلة الموات، فأما الرجل تكون له الأرض يملكها فيظهر فيها معدن، فهو له يمنعه ويعمل فيه، ولا يجوز له بيعه؛ لأنه غرر لا يدري ما فيه، ولا كم يدوم له، أو ما يجد فيه مما لا يجد، وكذلك برك الحيتان تكون في أرضه، فهو يمنعها ويحميها ممن يريد أن يصيد فيها؛ وليس لأحد الدخول في أرضه وماله؛ قال يحيى: قلت لابن القاسم: فمعادن أرض الصلح أللإمام فيها أمر؟ فقال: أما ما كانوا على دينهم، فلهم صلحهم والوفاء بعهدهم؛ فإن أسلم الذي المعدن في يديه وأرضه رجع أمره إلى الإمام، ولم يكن لصاحب الأرض منه شيء.
قال محمد بن رشد: مذهب ابن القاسم أن المعادن ليست تبعا للأرض، وأمرها إلى الأمام يقطعها لمن يعمل فيها لا على سبيل تمليك أصلها كانت في أرض مملوكة أو غير مملوكة، إلا أن تكون في أرض قوم قد صالحوا عليها، فهم أملك بأرضهم، فإن أسلموا رجع أمرها إلى الإمام؛ هذا قول ابن القاسم في هذه الرواية: إن أهل الصلح إذا أسلموا على أرضهم رجع ما كان فيها من المعادن إلى الأمام، وليس يلتئم على أصله: أن يرجع إلى الإمام من معادن أهل الصلح، إلا ما ظهر في أرضهم منها بعد إسلامهم؛ وأما ما ظهر فيها قبل إسلامهم، فالواجب على أصله أن يكون لهم؛ لأنهم قد أسلموا عليها، ومثل ذلك حكى ابن المواز عن مالك، وقد ظن بعض أهل النظر أن قول مالك في كتاب ابن المواز في أهل الصلح إذا أسلموا على أرضهم، وفيها معادن، أنها لهم مخالف لمذهب ابن القاسم مثل قول سحنون، وليس ذلك بصحيح، بل قول مالك هو الصحيح على أصل ابن القاسم في مالك الأرض لا يملك بملكها ما كان فيها من مجهول لم يعلم به كالمعدن وشبهه، خلاف مذهب سحنون في أنه يملك بملكها ما كان فيها من مجهول- لم يعلم به، وعلى هذا الأصل ذهب في المعادن إلى أنها إن كانت في أرض مملوكة، فهي لصاحب الأرض، وهو قول ابن حبيب في الواضحة.
وجه القول الأول أن الذهب والفضة التي في المعادن التي في جوف الأرض، أقدم من ملك المالكين لها، فلم يحصل ذلك ملكا لهم بملك الأرض، إذ هو الظاهر من قوله عز وجل: {إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [الأعراف: 128]، إذ لم يقل إن الأرض لله يورثها وما فيها من يشاء من عباده، فوجب بحق هذا الظاهر، أن يكون ما في جوف الأرض من ذهب أو ورق في المعادن فيئا لجميع المسلمين، بمنزلة ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب؛ ووجه القول الثاني أنه لما كان الذهب والفضة نابتين في الأرض كانا لصاحب الأرض بمنزلة ما نبت فيها من الحشيش والشجر.
والقول الأول أظهر؛ لأن الحشيش والشجر حادثان بعد الملك، فهما بخلاف الذهب والفضة في المعادن، وأما الحيتان المتولدة في برك أرض الرجل، فقد قيل: أنها لصاحب الأرض؛ لأنها تولدت في أرضه، وهو قول سحنون، وقيل: إنها لمن صادها من المسلمين؛ لأنه غيث ساقه الله لم يملك صاحب الأرض أصله، وروي عن أشهب أنه قال: إن كان صاحب الأرض وضع في البرك الحيتان، فتوالدت فيها فهي له، وإلا فهي لمن صادها من المسلمين، ولكل وجه؛ وسأله في الرواية هل للإمام أن يزيل منها الذي أقطعه إياها إذا طال عمله فيها ولم يتركها، ولا مات عنها، أو تركها ويقطعها غيره أم لا؟ فلم يجبه في ذلك، وقد روى أشهب عن مالك أن ذلك له، وهو ظاهر في الوجهين جميعا؛ لأنه إذا طال عمله فيها، فقد انتفع بما أقطع ولم يستحق المعدن بالإقطاع ملكا، ولا العمل فيه حياته، لا أن يقطعه إياه حياته، فله أن يقطعه غيره، وإذا ترك العمل فيه ونبذه، فقد ترك حقه، فللإمام أن يقطعه غيره.
وأما إذا مات، فقال في كتاب الشركة من المدونة: إن للإمام أن يقطعه لمن شاء، ولم يبين إن كان قد أدرك النيل أو لم يدركه، وقال سحنون: إن كان قد أدرك النيل فليس للإمام أن يقطعه إلا لورثته، وقال أشهب: وإن مات قبل أن يدرك النيل، فورثته أحق به، وهو القياس؛ لأنه إذا قطع لغير ورثته وقد عمل فيه، ذهب عناؤه وعمله باطلا، كان قد أدرك النيل، أو لم يدركه، إلا أن يكون قد أدرك النيل، قدر له مدة لو شاء الإمام أن يقطعه لغيره قبل أن يموت، كان ذلك له، فيكون له أن يقطعه لغير ورثته، هذا هو النظر في هذه المسألة، وبالله التوفيق.

.مسألة يكري داره خمس سنين بمائة دينار فيتعجلها:

من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم:
قال سحنون: وسئل ابن القاسم عن الرجل يكري داره خمس سنين بمائة دينار، فيتعجلها، فيحول الحول عليه- وهي عنده، وليس له مال غير الدار؟ قال: يزكيها لأنه كان ضامنا لها، وهي مال من ماله بمنزلة الدين يكون عليه ينظر إلى ما صار له من الكراء فيما سكن، فان كان عشرة دنانير، نظر إلى قيمة الدار، فإن كان قيمتها تسعين زكى المائة كلها؛ لأن في قيمة الدار وفاء مما عليه من التسعين؛ وإن كان قيمتها ثلاثين زكى الأربعين؛ لأنه إنما وجب له عشرة والتسعون دينا عليه، فهو يخاف على الدار أن تنهدم فيبطل الكراء فيما بقي ويرجع عليه بالتسعين؛ فإنما قومناها بعد السنة لتعرف قيمتها، وليجعل الدين فيها، ولا يكون عليه فيما بقي شيء؛ لأنه دين عليه، ولكن ينظر فكل ما سكن أخذ بقدره فزكاه، وإن كان دينارا واحدا؛ لأنه قد حال عليه الحول عنده، وهو من أصل مال قد حال عليه الحول، وذلك أنه كلما وجب له من السكنى شيء حسب عليه؛ لأنه قد كان قبض الكراء كله، وحال عليه من حين قبضه حول، وصار بمنزلة العشرة الأولى التي وجبت له بمضي السنة، وأوقفت الدار في عشرين، فكلما سكن شيئا حسب له من يوم قبضه، فزكاه على ذلك وهو وجه ما سمعت.
قال محمد بن رشد: جواب ابن القاسم في هذه المسألة مبني على القول بأن الرجل إذا كان له مال وعليه دين مثله، فوهب له الدين بعد حلول الحول على المال الذي بيده، أو أفاد مالا فيه وفاء به؛ إنه يزكي ما بيده من المال، ولا يستقبل به حولا ثانيا من يوم وهب له الدين، أو أفاد ما فيه وفاء به؛ وهو قول غير ابن القاسم في المدونة، خلال قول مالك فيها، وأحد قولي ابن القاسم على ما تقدم من اختلاف في قوله في ذلك في سماع عيسى؛ لأنه قال: إنه يزكي من المائة التي قبض مقدمة في كراء داره خمسة أعوام، إذا حال عليها الحول؛ ما يجب منها للعام الماضي مع قيمة الدار، وما يجب منها للعام الماضي قد كان عليه دينا، وإنما سقط عنه الدين فيه بالسكنى شيئا بعد شيء، وسقوط الدين عنه فيه بالسكنى كهبته له سواء، فأوجب عليه فيه الزكاة بحلول الحول، ولم يأمره باستئناف حول من يوم سقط عنه فيه الدين شيئا بعد شيء.
، ويأتي على قياس القول الثاني، وهو الذي في المدونة لمالك، ألا يزكي شيئا من ذلك حتى يحول عليه الحول بعد سقوط الدين عنه بالسكنى، ووجه العمل في ذلك، أن يؤخر حتى يمضي من العام الثاني ماله قدر، فيزكي ما ينوب قدر ذلك من العام الأول؛ لأنه هو الذي حال عليه الحول بعد سقوط الدين عنه، ثم إذا مضى بعد ذلك أيضا ماله قدر، زكى ما ينوب ذلك كذلك أبدا حتى ينقضي العام الثاني، فيزكي بانقضائه ما بقي من واجب العام الأول، وأما تزكيته منها قدر قيمة الدار عند حلول الحول عليها عنده، فلا اختلاف في ذلك؛ لأن الدار وفاء بالدين، وملكها له قديم، وكذلك يدخل هذا الخلاف أيضا فيما يجب عليه من الباقي، فقال في الرواية على أصله فيها: إنه يزكي منه بقدر ما سكن شيئا شيئا، وعلى ما في المدونة لمالك لا يزكي منه بقدر ما سكن حتى يحول عليه الحول من يوم سكنه.
ومعنى قوله: وأوقفت الدار في عشرين، أن هذا الباقي الذي يزكي منه بقدر ما يسكن، إنما هو ما بعد قيمة الدار، وبعد العشرين التي تجب العام الماضي؛ لأنه قال: إن الكراء كان خمس سنين بمائة دينار، ويلزم على قياس القول الآخر- وهو بنى عليه جوابه في الرواية إذا زكى من المائة التي قبض ما يجب لما مضى مما حال عليه الحول، أن يجعل ما بقي من ذلك أيضا فيما عليه من الدين، فيزكي قدره من المائة، كما يجعل في ذلك قيمة الدار، ويزكي قدره منها لأنه إذا أخرج زكاته، صار الباقي منه بعد إخراج الزكاة كما أفاده مكانه، فيجعل الدين فيه على هذا القول، ويزكي قدر ذلك مكانه من غير أن يستقبل بذلك حولا من حينئذ- كما قال ابن المواز؛ على قياس هذا القول فيمن آجر نفسه ثلاث سنين بستين دينارا، وقبضها ومضت سنة ولا عروض له، أنه يزكي تسعة وثلاثين دينارا ونصف دينار؛ لأنه يخرج أولا زكاة عشرين دينارا نصف دينار، ثم يجعل ما بقي منها وذلك تسعة عشر دينارا ونصف دينار- فيما عليه من الدين، ويزكي قدر ذلك مما قبض، وعلى ما في المدونة لمالك لا يزكي بمضي السنة ما يجب لها من الإجارة؛ لأن الحول لم يحل على جميع ذلك منذ وجبت له بسقوط الدين عنه فيها؛ وقد قيل في الذي أكرى داره خمس سنين بمائة وقبضها: إنه يجب عليه أن يزكي جميعها إذا حال عليها الحول عنده؛ لأن الدور مأمونة، وما يطرأ عليها من الهدم نادر، فلا يعتبر به، وهو ظاهر قوله في أول المسألة: يزكيها؛ لأنه كان ضامنا لها وهي مال من ماله، خلاف ما ذكر بعد ذلك من التفسير، فيتحصل في المسألة على هذا أربعة أقوال، أحدها: أنه يزكي إذا حال الحول على المائة بيده المائة كلها، وهو هذا القول، والقول الثاني: أنه يزكي منها قدر قيمة الدار، وما يجب من الكراء للعام الماضي، فكلما سكن بعد ذلك المكتري شيئا زكى مما بقي قدر ذلك، وهو قوله في هذه الرواية.
والقول الثالث: أنه يزكي منها قدر قيمة الدار، وما يجب منها للعام، وما يبقى من ذلك بعد الزكاة، فكلما سكن المكتري بعد ذلك شيئا، زكى مما بقي قدر ذلك، وهذا القول يأتي على ما بنى عليه جوابه في الرواية، وعلى ما ذكرناه عن محمد بن المواز في مسألة الإجارة.
والقول الرابع: أنه يزكي منها قيمة الدار، ولا يزكي مما وجب للعام الماضي، ولا مما يسكن بعد ذلك، إلا ما حال عليه الحول من ذلك بعد السكنى؛ وهذا القول يأتي على مذهب مالك في المدونة على ما ذكرناه، وبالله التوفيق.